آخر تحديث :الاثنين 04 اغسطس 2025 - الساعة:00:06:37
صحيفة دولية : نساء اليمن يواجهن جميع أشكال التمييز تحت سلطة الحوثي
(الامناء نت/العرب:)

 

ابتدع الحوثيون محرّمات جديدة على المرأة اليمنية بذرائع الدين والأخلاق والعادات الاجتماعية، وقرروا منع النساء والفتيات من اقتناء الهواتف الذكية بشكل قاطع، وفرض غرامة مالية على رب العائلة أو مقدم الخدمة الذي يتهاون بهذا القرار، في مصادرة مهينة لأبسط حقوق المرأة وانتهاك لإنسانيتها والتشكيك بأخلاقها.

وكشفت وثيقة أصدرتها قيادات حوثية وشخصيات اجتماعية ونافذة موالية للجماعة في 25 يوليو 2025 عن مجموعة من القيود على النساء في منطقة العسادي بمديرية وصاب التابعة لمحافظة ذمار (جنوب العاصمة صنعاء)، تحت مبرر الحفاظ على الأخلاق والقيم.

وتمنع الوثيقة استخدام الهواتف الذكية بشكل عام على النساء والأطفال، وتلزم العائلات بعدم إدخال الإنترنت، عبر خدمة شبكات الهاتف الأرضي، إلى المنازل أو تشغيل شبكات الواي فاي أو استقبال خدمات الشبكات التجارية في الأحياء داخل البيوت، ومنحت زعماء القبائل في المنطقة صلاحية مصادرة معدات أيّ شبكة واي فاي بالكامل.

وأقرّت الوثيقة التي أشرف قادة حوثيون على صياغة بنودها تغريم أيّ شخص، من أفراد عائلة المرأة المخالفة، أو بائعي الجوالات ومقدّمي خدماتها قرابة 1900 دولار (مليون ريال حيث تفرض الجماعة الحوثية سعراً ثابتاً للدولار بـ535 ريالا) في حالة المساعدة لها في امتلاك هاتف ذكي أو استخدامه.

كما مُنع الأطفال من امتلاك الهواتف النقالة، ويجري تغريم أي طفل يخالف ذلك، أو عائلته، قرابة 380 دولاراً (200 ألف ريال).

وتوسعت الوثيقة في فرض قيودها على الحريات العامة بإقرار حظر تشغيل الأغاني والموسيقى في المناسبات، مثل حفلات الزفاف أو الخطوبة، بما في ذلك منع مكبرات الصوت، ومعاقبة رب العائلة المخالفة بالغرامة نفسها.

وشملت حرية الحركة والتنقل للنساء، بحظر سفرهن من الريف إلى المدينة أو إلى مناطق بعيدة دون مرافقة ما يعرف بـ”المحرم” من الأقارب الذكور مهما كانت الظروف، وقضت بمعاقبة العائلة التي تخالف هذا البند بالغرامة المالية نفسها مع عقوبات أخرى تصل إلى مصادرة الممتلكات والطرد من المنطقة. ويعاقب أيّ سائق سيارة يساعد امرأة في التنقل من دون محرم بغرامة تزيد على 900 دولار (500 ألف ريال).

وامتدّت القيود إلى الحياة الاجتماعية، حيث نصّت الوثيقة على تنظيم الأعراس والمناسبات بتفصيل دقيق، يشمل تحديد مبلغ المهر لكل من العروس البكر (التي تتزوج لأول مرة) والثيب (المُتَزَوِّجة سابقًا)، في تدخل مباشر في الشؤون الخاصة للأسر. كما منع استخدام مكبرات الصوت في الأعراس، وحُرّمت الأغاني والموسيقى، ما أثار استياءً واسعًا بين الأهالي الذين يرون في هذه العادات جزءًا من التراث اليمني

ويرفض غالبية أهالي العسادي الوثيقة التي يرون أنها فُرِضت بالتفاهم بين قيادات حوثية ومشايخ وأعيان المنطقة الموالين للجماعة، دون أن يكون للسكان أيّ رأي فيها، إلا أنهم تلقوا تهديدات بفرض غرامات وعقوبات تصل إلى الاعتقال والطرد لمجرد الاعتراض على الوثيقة، في ظل أوضاع معيشية صعبة يواجهونها، وفقاً لمصادر محلية.

وتصف الناشطة وداد عبده هذه الوثيقة بالعقاب الجماعي غير المبرر على نساء المنطقة، وهو أمر يشبه الاعتقال أو السجن إلى حد كبير حسب تعبيرها، مشيرة إلى أن مثل هذه الإجراءات تحرم النساء من حقوقهن في الحركة والتنقل والمعرفة والتواصل.

هذه الوثيقة ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن أصدرت الجماعة تعليمات مشابهة في مناطق أخرى، مستغلة خصوصية القبائل اليمنية، لتمرير أفكارها الرجعية.

وفرضت الجماعة هذه القيود على النساء في صنعاء قبل أشهر قليلة معتبرة أن الهواتف الذكية مؤامرة أميركية – إسرائيلية على النساء في قرية حمل مستدلة بآيات قرآنية والتي تخول الميليشيا الحوثية بتجريم استخدام الهواتف وفرض غرامات تصل إلى 20 ألف ريال ومصادرة الأجهزة الهاتفية.

وبحسب مصادر قبلية فإن اغلب أبناء القرية رفضوا القرار رافضين التشكيك في سمعة النساء في المنطقة والذي تحاول الميليشيا الحوثية تطبيقه في القرى ثم تعميمه في جميع مناطق سيطرتها بعد عجزها عن إلقاء القبض على المحتفلات بذكرى ثورة 26 سبتمبر خوفا من ردة فعل المجتمع اليمني.

كما أجبرت الجماعة الحوثية طالبات مدارس في العاصمة على ارتداء الزي النساء الإيراني المعروف بـ”الشادور” بدلاً من الحجاب التقليدي المصاحب للزي المدرسي، بمبرر الحفاظ على “الهوية الإيمانية”.

وأصدرت قيادات في الجماعة الحوثية تدير قطاع التعليم تعليمات تحضُّ مديرات المدارس على إلزام طالبات المراحل الابتدائية والأساسية بشراء وارتداء الزي الإيراني، وتوعد هؤلاء القادة مسؤولات المدارس والطالبات المخالفات لهذه التعليمات باتخاذ عقوبات بحقهن، تتضمن النقل إلى مدارس أخرى خارج العاصمة، والحرمان من دخول الامتحانات الشهرية.

وأدى هذا التوجه إلى حالة من الغليان والسخط والرفض المطلق في أوساط شريحة واسعة من السكان والتربويين خصوصاً، حيث أبدوا رفضهم لهذه الممارسات، التي تشكل، بحسب قولهم، إضافة جديدة إلى سجل الجماعة الحوثية الحافل بالانتهاكات المرتكبة في حق التعليم ومنتسبيه.


وبينما لا يزال الحوثيون يرفضون فتح الطرقات بين المحافظات، اتهمتهم منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية بأنهم يواصلون فرض القيود المشددة على تنقل النساء وعملهن، ويستهدفون بشكل مباشر العاملات في المنظمات الإنسانية، وهي القيود التي أثرت على حياتهن وأعاقت قدرتهن على الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وحتى زيارة أسرهن.

وأفادت المنظمة بأن سلطات الحوثيين وسَّعت نطاق القيود المفروضة على حركة المرأة في مناطق سيطرتها، طوال السنوات التسع الماضية. كما ذكرت أن هناك قيوداً على حركة المرأة في مختلف مناطق النزاع، بما فيها مناطق سيطرة الحكومة اليمنية.

وقالت نيكو جافارنيا، الباحثة في “هيومن رايتس ووتش” إنه بدلاً من تركيز الجهود على ضمان حصول الناس في اليمن على المياه النظيفة والغذاء الكافي والمساعدات “تنفق الأطراف المتحاربة طاقتها في زيادة الحواجز أمام حرية حركة المرأة.” وذكرت أن لهذه القيود “تأثيراً رهيباً”، على حياة النساء، وتعيق قدرتهن على الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وحتى زيارة أسرهن.

وحصلت المنظمة على شهادات 21 امرأة، معظمهن ناشطات أو نساء يعملن مع منظمات غير حكومية، حول القيود المفروضة على الحركة التي واجهنها، وتأثير ذلك على حياتهن؛ بالإضافة إلى شهادة رجلين يعملان سائقين خاصين لنقل الأشخاص بين المحافظات، إلى جانب القوانين واللوائح اليمنية، فضلاً عن توجيهات الحوثيين الأخيرة لشركات السيارات ووكالات السفر التي تقيد حركة المرأة.

وخلصت إلى أن هذه القيود أثرت على حركة النساء في جميع قطاعات المجتمع اليمني. ونُقل عن كثير من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أن بعض مسؤولي نقاط التفتيش استهدفوا على وجه التحديد النساء العاملات مع المنظمات غير الحكومية، والعاملين في المجال الإنساني. واستدل أيضاً بتقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن لعام 2023، والذي أكدت فيه أنها تلقت تقارير عن منع النساء من السفر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

وفي ديسمبر 2022، أفاد خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة، بأن هيئة تنظيم النقل البري التابعة للحوثيين أصدرت توجيها شفهياً في أغسطس 2022، يطلب من النساء اللاتي يسافرن إلى أيّ مكان داخل المناطق التي يسيطرون عليها أو خارج البلاد، أن يرافقهن أحد أقاربهن الذكور من الدرجة الأولى.

ونقل التقرير عن امرأتين أنهما قررتا مغادرة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، والانتقال إلى عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، بسبب القيود المتزايدة على النساء والمنظمات غير الحكومية التي فرضها الحوثيون على مدى السنوات القليلة الماضية.


ووصفت ناشطة سياسية يمنية تعيش في تعز التحديات التي تواجهها شقيقتها التي تعيش في صنعاء عند السفر، وتقول إنها في الخمسينات من العمر، ومع هذا أُجبرت على الحصول على موافقة ابنها الذي كان يبلغ من العمر (14 عاماً) للسفر. “وهذا يعني أن الحوثيين لا يعترفون بالمرأة كمواطنة كاملة الحقوق.”

وكانت الأمم المتحدة قد أفادت بأن هذه القيود على الحركة أجبرت كثيراً من النساء اليمنيات على ترك وظائفهن في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة؛ لأنهن ليس لديهن قريب يمكنه مرافقتهن في رحلة عملهن الحاسمة، ما يفقدهن الدخل الذي تشتد الحاجة إليه.

وبيّن التقرير أن القيود أثّرت أيضاً على قدرة المرأة على الوصول إلى التعليم العالي، وأنه في بعض الحالات رفض السائقون اصطحاب النساء إلى الحرم الجامعي؛ لأنهم يعرفون ما سيواجهونه عند نقاط التفتيش، بما في ذلك مناطق سيطرة الحكومة.

وجزمت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها بأن القيود التي تفرض على حركة النساء تنتهك التزامات اليمن بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق العربي، المتعلق بحقوق الإنسان، وتتعارض مع الدستور اليمني الذي يضمن هذه الحقوق أيضاً.

وأكدت المنظمة في تقريرها أن “آثار هذه القيود على حياة المرأة كارثية؛ ليس فقط بالنسبة إلى النساء؛ بل إلى المجتمع اليمني بأكمله.” وقالت إنه يجب على جميع السلطات الحاكمة أن توقف فوراً السياسات المعمول بها لتقييد حركة المرأة، وأن تضمن تدريب ضباط نقاط التفتيش على حماية الحقوق الأساسية لجميع المقيمين.

وقال الائتلاف الوطني للنساء المستقلات، في تقرير حقوقي أصدره مؤخرًا، إن المرأة اليمنية باتت تتحمل أعباء إضافية تتمثل في مسؤولية إعالة الأسرة وحمايتها في ظل غياب المعيلين.

وطبقًا لتقديرات أممية، فإن عدد الأسر التي تعيلها النساء في اليمن عام 2022 بلغ 417 ألف أسرة، مشيرة إلى أن الرقم مرشح للارتفاع مع استمرار النزاع وتدهور الأوضاع الاقتصادية. فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن أعداد النساء العاملات في اليمن يزداد سنوياً، ليس بحثاً عن تحقيق الذات، بل كوسيلة وحيدة للبقاء على قيد الحياة.


ورغم دورها المحوري في تضميد جراح الحرب، إلا أن المرأة اليمنية برزت كضحيّة مباشرة للحرب والعنف الممنهج. وبحسب منظمة “هيومن رايتس وتش” فإن العنف ضد المرأة في اليمن ازداد بشكل كبير، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 3 ملايين امرأة وفتاة تقريبًا معرضات لخطر العنف.

ومنذ عام 2015 حتى نهاية 2020، قالت منظمة سام للحقوق والحريات (غير حكومية مقرها جنيف)، إنها رصدت أكثر من 4 آلاف انتهاك تعرضت لها المرأة اليمنية بعضها “يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.”

وشملت هذه الانتهاكات، طبقًا لمنظمة سام، “القتل، والإصابات الجسدية، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، ومنع التنقل،” إضافة إلى ”نزوح أكثر من 900 ألف امرأة في مخيمات مأرب (ِشرق) لوحدها.” وأوضحت أن ”جماعة الحوثي جاءت في مقدمة الأطراف المنتهكة لحقوق المرأة بنسبة 70 في المئة.”

بدورها، قالت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية)، في تقرير سابق لها، إن ”النساء اليمنيات يعشن أوضاعًا أقل ما توصف به أنها لاإنسانية.”

وأضافت اللجنة الحقوقية الوطنية، أنها وثقت مقتل وإصابة 2617 امرأة وطفلة خلال الفترة من 2015 وحتى نهاية العام 2020، إثر القصف العشوائي الذي استهدف الأحياء السكنية بعدد من المحافظات اليمنية.

وفي ظل الأوضاع القاسية، تعاني المرأة اليمنية من ضعف التدخلات الحقوقية والإغاثية والإنسانية من قبل المنظمات الأممية والوكالات الدولية، بما فيها البرامج المخصصة لتنمية المرأة ومساعدتها على الصمود.

ورغم الأنشطة المحدودة لبعض المنظمات بتوفير فرص تدريبية للنساء لمساعدتهن على اكتساب مهارات جديدة، كالخياطة والتطريز وصناعة المشغولات اليدوية، إلا أنها تظل مبادرات متواضعة للغاية مقارنة بحجم الاحتياج.


#

شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل