
تتحدث تقارير غربية عن تمتّع شركات صينية بنوع من الضمان ضدّ هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة في البحر الأحمر، الأمر الذي يوفّر ضمانة لتلك الشركات لمواصلة تسويق منتجاتها عبر ذلك الممر المختصر الذي يوفر الكثير من الوقت والمال، في الوقت الذي اضطرت فيه شركات دولية أخرى إلى استخدام ممرات أطول وأعلى كلفة تفاديا للتهديدات والمخاطر التي أوجدتها الجماعة بهجماتها التي تضعها تحت عنوان دعم الفلسطينيين في الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزّة منذ الهجوم المباغت الذي نفذته حركة حماس على الدولة العبرية في أكتوبر 2023.
ويبدو الأمر كما لو أن صداقة نشأت بين الجماعة التي تقيم سلطة أمر واقع غير معترف بها دوليا على أجزاء واسعة من اليمن والصين التي تعلن ضمن سياساتها الرسمية الالتزام بالقوانين الدولية والحياد في الصراعات، ما يجعل تلك الصداقة، على افتراض وجودها بالفعل، مجافية للمنطق ومتناقضة حتى مع مصالح بكين في المنطقة والعالم والمترابطة مع مصالح دول إقليمية وقوى عالمية ممتعضة شديد الامتعاض من سلوكات الحوثيين ومتضررة ماديا واقتصاديا من اعتداءاتهم على خطوط الملاحة، بعد أن اضطرت شركات تحمل جنسيتها إلى تحمّل الخسائر الناجمة عن تعطيل حركتها في البحر الأحمر وتغيير مسارات تسويق منتجاتها أو استقبال منتجات ومواد خام من دول وشركات كانت تستخدم الممر البحري نفسه.
ويكمن سرّ العلاقة بين الحوثيين والصين لدى إيران التي تربطها أيضا علاقات حيوية عالية المردود للصينيين لا تتردّد في استثمارها لمصلحة جماعة الحوثي التي تمثّل ذراعا للجمهورية الإسلامية في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية.
وساهمت العقوبات الأميركية الصارمة المفروضة على إيران في بناء علاقات اقتصادية متينة بين طهران وبكين التي لا ترى نفسها ملزمة بتطبيق تلك العقوبات، وهو ما تقوم به فعليا من خلال استحواذها على الغالبية العظمى من صادرات النفط الإيراني.
ويبدو أن مثل هذه المصالح شديدة الحيوية بين الطرفين أتاحت عقد تفاهمات جانبية غير معلنة اتّسعت لتشمل بعض حلفاء إيران الإقليميين وتحديدا الحوثيين.
وتروج منذ أكثر من سنتين أخبار من الصعب توثيقها بشأن قيام بكين بتزويد جماعة الحوثي بأسلحة متطورة وأجهزة مختلفة بما فيها أجهزة اتصال عسكرية.
وغير بعيد عن سياق هذه العلاقة الملتبسة ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن شركات تصنيع السيارات الصينية ما زالت تواصل شحن مركباتها إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس رغم استمرار خطر هجمات الجماعة على السفن في هذا الممر البحري الحيوي.
ويأتي هذا في وقت تتجه فيه معظم شركات الشحن العالمية إلى اتخاذ مسار أطول وأكثر كلفة يلتف على القارة الأفريقية ويمر عبر رأس الرجاء الصالح لتفادي الهجمات.
واستند تقرير الصحيفة إلى تحليل أجرته منصة “لويدز ليست إنتلجنس” البريطانية المتخصصة في المعلومات البحرية يظهر عبور ما لا يقل عن أربع عشرة ناقلة سيارات من الموانئ الصينية إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس في شهر يوليو الماضي، وهو عدد مماثل تقريبا لما تم تسجيله في شهر يونيو.
واستمر هذا المسار وفق التحليل نفسه حتى بعد قيام الحوثيين الشهر الماضي بإغراق سفينتين تجاريتين باستخدام طائرات مسيّرة وقنابل وأسلحة نارية.
ويرجح محللون أن بكين توصّلت إلى تفاهم غير معلن مع إيران ومن ورائها الحوثيين يقضي بعدم استهداف ناقلات السيارات الصينية. وقال دانيال ناش المدير المساعد في شركة فيسون نوتيكال إن “الصين تبدو كأنها وجدت طريقة للتعامل مع الحوثيين المدعومين من إيران، وتم إبلاغها بأن سفنها لن تُستهدف.”
ويختصر العبور عبر البحر الأحمر وقناة السويس المدة الزمنية التي تستغرقها الرحلة ذهابا وإيابا بين آسيا وأوروبا بما يتراوح بين أربعة عشر وثمانية عشر يوما، ما يوفر مئات الدولارات من كلفة كل سيارة محمولة على متن السفن عبر تقليص استهلاك الوقود وأجور الطواقم، إضافة إلى خفض الانبعاثات.
ويمنح هذا الامتياز شركات السيارات الصينية ميزة تنافسية في السوق الأوروبية أمام نظيراتها اليابانية والكورية والأوروبية التي لا تستخدم حاليا المسار المختصر عبر البحر الأحمر.
لكن هذه الشركات، يقول تقرير الصحيفة الأميركية، تواجه عقبة أخرى تتمثل في الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي العام الماضي على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين والتي تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات لكل مركبة. وللالتفاف على هذه الرسوم لجأت شركات مثل بيد وسيك موتور إلى شحن سيارات هجينة.
وفي الأشهر الأخيرة تسلّمت شركات صينية كبرى ناقلات سيارات عملاقة صُنعت في أحواض السفن الصينية وقادرة على نقل ما يصل إلى خمس آلاف سيارة في الرحلة الواحدة، بقيمة قد تتجاوز مئة مليون دولار. وهذه السفن التي شُيّدت على ضفاف نهر اليانغتسي تواصل عبور البحر الأحمر رغم المخاطر الأمنية.
ونفّذ الحوثيون عمليات خطرة في البحر الأحمر منفّرة للشركات العالمية تسببت في خسائر مادية ومؤخرا بشرية، من بينها سيطرتهم على ناقلة السيارات جالاكسي ليدر واحتجاز طاقمها المؤلف من خمسة وعشرين فردا لمدة أربعة عشر شهرا، ومن بينها أيضا ما أفضى إلى إغراق سفن على غرار السفينة اليونانية إترنيتي سي التي غرقت في يوليو الماضي وقتل أحد أفراد طاقمها.