
سلطت الكارثة التي ألمت بمهاجرين أفارقة كانوا بصدد محاولة العبور بحرا إلى اليمن الضوء على مآسي الآلاف من سكان عدد من البلدان الأفريقية الفقيرة الحالمين بالعبور نحو الأراضي السعودية بحثا عن فرصة عمل تنقذهم من الأوضاع بالغة السوء التي يعيشونها في بلدانهم الأصلية التي تتعرّض إلى جانب آفة الصراعات وعدم الاستقرار إلى معضلات مستجدّة تعمّق فقرها وعلى رأسها التغيرات المناخية التي ضربت بعنف الأسس التقليدية لاقتصادها والمتمحورة عموما حول الرعي والزراعة.
وغالبا ما تسلّط الأضواء على مآسي المهاجرين السريين عبر الطرق التقليدية المتجهة نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسّط، لكن طريق أفريقيا-السعودية عبر اليمن بدأ يلفت الانتباه بتزايد دفق الهجرة السرية عبره وتزايد الخسائر البشرية التي يشهدها.
ولا تتوقف مآسي هؤلاء المهاجرين ومعاناتهم عند عبور البحر ولكنها تمتدّ إلى محاولة عبورهم الأراضي اليمنية برّا حيث يضطرون للإقامة فيها لفترات لا يتحكمون في مددها ويتعرّضون خلالها لتهديدات ومخاطر يصل أقصاها إلى خسارة حياتهم وأدناها إلى خسارة كل ما جمعوه من أموال قليلة للإنفاق على رحلتهم الخطرة والاضطرار في الأخير إلى العودة أدراجهم نحو بلدانهم الأصلية بعد أن يكون كثيرون منهم قد تعرضوا لعمليات استغلال بشعة من قبل المهربين وحتى لأعمال سخرة وممارسات تداني العبودية من قبل أصحاب أعمال ومشغلين محليين.
وقضى ستة وسبعون شخصا على الأقلّ وفُقد العشرات بعد غرق زورق كان ينقل مهاجرين معظمهم إثيوبيون قبالة سواحل اليمن، في مأساة جديدة يشهدها مسار الهجرة هذا المحفوف بالمخاطر، وفق ما أفاد مسؤولون يمنيون وكالة فرانس برس.
وتمّ انتشال جثث هؤلاء الموتى وإسعاف اثنين وثلاثين شخصا، بحسب مصدرين أمنيين يمنيين. وهي حصيلة جديدة للضحايا بعد إعلان المنظمة الدولية للهجرة مقتل ثمانية وستين شخصا.
مآسي المهاجرين الأفارقة لا تتوقف عند عبورهم البحر لكنها ترافقهم إلى مراحل عبور الأراضي اليمنية برا والإقامة المؤقتة فيها
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن مئة وسبعة وخمسين شخصا كانوا على متن الزورق موضحة أن أغلبية الركاب كانوا من الإثيوبيين.
ووقعت الحادثة في خليج عدن قبالة سواحل محافظة أبين في جنوب اليمن حيث غالبا ما تعبر زوارق المهرّبين الذين ينقلون مهاجرين يأملون في إيجاد فرص عمل في الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية المجاورة لليمن.
ونُقل بعض المهاجرين الذين تمّ إسعافهم إلى عدن بالقرب من أبين، بحسب ما أفاد مصدر أمني. وقال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن عبدالستار عيسويف إن “مصير المفقودين لا يزال مجهولا.”
وبالرغم من النزاع الجاري في اليمن منذ عام 2014 لا تزال الهجرة غير النظامية إليه مستمرة، لاسيما من إثيوبيا التي تشهد أعمال عنف إثنية.
وكلّ سنة يعبر آلاف المهاجرين الأفارقة مضيق باب المندب الذي يفصل جيبوتي عن اليمن، وهو طريق رئيسي للتجارة الدولية، وأيضا للهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر. وتستضيف دول الخليج الغنية يدا عاملة أجنبية كبيرة العدد من شبه القارة الهندية وأفريقيا.
وكانت أغلبية ركاب الزورق الغارق من المهاجرين الإثيوبيين بحسب إدارة أمن محافظة أبين التي أعلنت في بلاغ رسمي “تنفيذ عملية إنسانية واسعة لانتشال جثث عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين من الجنسية الإثيوبية الأورومو الذين لقوا حتفهم غرقا أثناء محاولتهم التسلل إلى الأراضي اليمنية عبر قوارب تهريب قادمة من القرن الأفريقي.”
والشهر الماضي، قضى ثمانية أشخاص على الأقلّ وفقد اثنان وعشرون آخرون بعدما أجبر مهرّبون مهاجرين على رمي أنفسهم في مياه البحر الأحمر، بحسب ما كشفت المنظمة الدولية للهجرة.
ووفقا للمنظمة: “وجد عشرات الآلاف من الأشخاص أنفسهم عالقين في اليمن حيث يتعرضون لتجاوزات وللاستغلال خلال رحلتهم.”
والعام الماضي، أحصت المنظمة مقتل خمس مئة وثمانية وخمسين مهاجرا على هذه الطريق التي تُسمى الطريق الشرقية من بينهم أربع مئة واثنان وستون في حوادث غرق.
وفي أبريل الماضي قتل أكثر من ستين شخصا في ضربة منسوبة إلى الولايات المتحدة استهدفت خطأ مركز احتجاز للمهاجرين في اليمن، بحسب جماعة الحوثي التي تسيطر على أجزاء واسعة من البلد.