
تتجه الأنظار إلى القصر الحكومي في بيروت وسط أجواء مشحونة وترقب لما ستسفر عنه جلسة مجلس الوزراء اللبناني، التي تعقد اليوم الثلاثاء لحسم ملف سلاح حزب الله وتسليمه إلى الجيش وسط ضغوط داخلية وخارجية مكثفة.
وهذه الجلسة الاستثنائية تتصدر جدول أعمالها قضية "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية"، وهو مطلب قديم أثار انقسامات حادة، لكنه اليوم يكتسب أهمية غير مسبوقة بسبب تصاعد الضغوط الدولية خاصة من الولايات المتحدة.
اعتبر النائب ميشال دويهي في تغريدة على حسابه بمنصة إكس أن "جلسة مجلس الوزراء المرتقبة اليوم (الثلاثاء) ليست جلسة عادية بأي مقياس، ولا يجوز التساهل في توصيفها أو التهوين من وقعها. إنها امتحان تاريخي مصيري يتجاوز السياسة كما نعرفها، ويعلو فوق منطق التشاطر والالتفاف الذي طبع الحياة السياسية اللبنانية منذ عقود".
في حين قالت النائبة عن حزب القوات، ستريدا جعجع في تغريدة على منصة إكس "اليوم مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ويتخذ القرارات اللازمة لتطبيقها، لا سيما في مجال الأمن والدفاع الوطني..".
ووفقا لوسائل إعلام محلية، لم تهدأ الاتصالات بين الرئاسات الثلاث، أي رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، وتشمل أيضا قنوات تواصل مباشرة مع حزب الله، بهدف التوصل إلى صيغة القرار الذي ستتخذه الحكومة بشأن ملف سلاح حزب الله وتسليمه إلى الجيش اللبناني، عملا بمعادلة حصر السلاح بيد الدولة.
وستبقى الاتصالات مستمرة حتى اللحظات الأخيرة التي تسبق دخول الوزراء إلى الجلسة، لا سيما أن حزب الله ربط قراره بالمشاركة فيها بمعرفة مسبقة لما سينتج عنها أو ستقرره. وقد استند في ذلك إلى دور رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يعلم جدا دقة الوضع، وخطورته وحساسيته، لا سيما أنه يسعى إلى صيغة تكون ملائمة لمختلف القوى.
وأكدت مصادر وزارية أن الرؤساء الثلاثة، جوزيف عون ونواف سلام ونبيه بري، توصلوا إلى توافق مبدئي على خطتين واضحتين: الأولى، إقرار مبدأ حصر السلاح بيد الدولة وتطبيقه على جميع القوى غير الشرعية دون استثناء، والثانية تحديد مهلة زمنية نهائية للتنفيذ تنتهي في 31 ديسمبر 2025، ما يتيح تنفيذ الخطة على مراحل دون تصعيد مباشر.
وبحسب وسائل إعلام لبنانية، حاول ثنائي حزب الله وحركة أمل الالتفاف على مناقشة بند السلاح عبر المطالبة بشطبه نهائيا أو تأجيله إلى نهاية الجلسة، لكن هذه المحاولات فشلت، حيث تمسكت قوى وازنة داخل الحكومة، بينها وزراء القوات اللبنانية، بطرح البند على التصويت إذا تعذر التوافق على جدول زمني لتطبيق القرار.
ويبرز التساؤل الأبرز حول موقف الوزراء الشيعة، وما إذا كانوا سيشاركون في الجلسة أو يقاطعونها، خصوصا مع تأكد غياب وزيرين لوجودهما خارج البلاد.
وفي هذا السياق، أكد نبيه بري تأييده لمشاركة الوزراء الشيعة في الجلسة وعدم مقاطعتها، مشددا على حرصه على العمل لكل ما يخدم لبنان ويحافظ على أمنه.
ومن جانبه، أشار وزير العدل عادل نصار إلى أن جلسة اليوم الثلاثاء تواجه عدة سيناريوهات، من بينها إتاحة مزيد من النقاش وتأجيل البت في بند السلاح إلى جلسة تعقد الخميس المقبل، لافتا إلى أنه سيطالب بجدول زمني لتسليم سلاح حزب الله.
وقال نصار "نتمنى أن تستيقظ ضمائر المسؤولين في حزب الله لتسليم السلاح والذهاب معا لبناء الدولة، لكن إذا أصر الحزب على إبقائه فمن غير المقبول أن يأخذ الشعب اللبناني معه إلى الانتحار".
وتأتي هذه الجلسة في ظل أجواء سياسية وأمنية متوترة، فقد شهدت بيروت وعدد من المناطق اللبنانية مسيرات على دراجات نارية نفذها مؤيدون لحزب الله، في رسالة تهديد ووعيد، بحسب تفسير العديد من السياسيين والإعلاميين.
في هذا السياق، حذّر الصحافي طوني بولس من استعداد حزب الله لعمل أمني خطير قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء المرتقبة لإقرار آلية وجدول زمني لنزع السلاح. وقال في تغريدة عبر حسابه على منصة إكس "هناك معلومات عن وجود شاحنات محملة بالأتربة تستعد لقطع طرقات بالتزامن مع مسيرات لدرجات نارية وإطلاق شعارات طائفية".
من جهته، اعتبر السياسي والنائب السابق فارس سعيد أن التهويل الإعلامي يهدف إلى تأجيل جلسة مجلس الوزراء المخصصّة للبتّ في موضوع السلاح".
أما النائب نديم الجميل، فقال تعليقا على مسيرات أنصار حزب الله "على الأجهزة الأمنيّة تحمّل مسؤوليّاتها فورا، ولتكن واضحة المعادلة للجميع: إن لم تتصرّف الأجهزة الأمنية لردع محاولات التهديد والوعيد هذه، فالشارع سيقابله شارع، ولن يبقى أحد متفرّجًا!".
وتؤكد هذه التحركات والمواقف المتشنجة أن حزب الله لا يزال متمسكا بسلاحه، مشددا على أنه لن يتخلى عنه إلا بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني وتحديدا من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها.
وبغض النظر عن كل التفاصيل، يبقى لبنان في مواجهة استحقاق مفصلي، فالمسؤولون يعلمون أنه لا بد من الخروج بقرار واضح وبرنامج عمل محدد. لكن ما تؤكده التجارب السياسية التاريخية، أن أي اتفاق من هذا النوع يبقى بحاجة إلى اتفاق سياسي تنضج ظروفه داخليا وخارجيا، وهي ظروف لا تبدو متوفرة حاليا.
حتى الآن لا تبدو الظروف ناضجة لتحقيق حصر السلاح، بينما حزب الله لا يزال على موقفه المتمسك بسلاحه وشروطه، ما يعني أنه حتى لو اتخذت السلطة اللبنانية قرارا واضحا بسحب السلاح، تبقى الأنظار متجهة على الآلية التنفيذية وكيف سيتم تنفيذ هذا القرار وإذا ما سيكون هناك قدرة على تنفيذه، أم أن سيناريو التاريخ الذي حدد لسحب السلاح الفلسطيني سيتكرر، أو أن تتكرر مشاهد الاعتراض على قوات اليونيفيل في الجنوب، علما أن ذلك سيؤدي إلى انقسام عمودي كبير داخليا، من دون إمكانية لإغفال الضغوط الخارجية التي ستستمر وقد تتصاعد.
وكان حزب الله خاض العام الماضي مواجهات عنيفة مع إسرائيل، أدت إلى خسائر فادحة في صفوفه. قبل أن تنتهي الحرب باتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانب اللبناني والإسرائيلي برعاية أميركية.
ونصّ الاتفاق على انسحاب الحزب من منطقة جنوب الليطاني (على مسافة حوالي 30 كيلومترا من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل).
كذلك، نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن إسرائيل أبقت على وجودها في خمسة مرتفعات إستراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها، مع استمرار استهدافها للحزب.