
لقي عشرات اليمنيين حتفهم خلال الشهرين الأخيرين بسبب تفشي حمى الضنك غير المسبوق، ضمن موجة حميات وأوبئة تشمل أيضاً الكوليرا والملاريا.
تشهد العديد من محافظات اليمن تفشياً غير مسبوق لفيروس حمى الضنك، في ظل تحذيرات من تزايد أعداد الإصابات والوفيات نتيجة ضعف الخدمات الصحية وتردي مرافق المستشفيات. وينتقل الفيروس عن طريق البعوض الذي يصيب الإنسان بعد امتصاصه الدم الملوث بالمرض، وتظهر أعراضه على شكل حمى شديدة، وصداع، وآلام في المفاصل والعضلات، ونزيف من الأنف.
ويأتي تفشي حمى الضنك في ظل انهيار القطاع الصحي بسبب الصراع المسلح الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، وتفيد تقارير أممية بأن الصراع المتواصل أدى إلى إغلاق نصف مرافق الرعاية الصحية، ما زاد هشاشة النظام الصحي، وأدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المعدية، وعلى رأسها الكوليرا والملاريا. وتحذر الأمم المتحدة من أن نقص التمويل الإنساني في اليمن يهدد بإغلاق 771 مركزاً صحياً إضافياً، وهو ما قد يحرم نحو سبعة ملايين شخص من الخدمات الصحية المنقذة للحياة.
من محافظة لحج، يقول محمود علي لـ"العربي الجديد": "شعر ولدي بأعراض حمى شديدة وصداع، وآلام في العضلات والمفاصل مع تقيؤ شديد، وهذه أعراض تختلف عن أعراض الحمى المعروفة، وحين عرضناه على الطبيب أوصانا بسرعة نقله إلى المستشفى، وهناك تم تأكيد إصابته بحمى الضنك، وتحديد خطة علاجية من قبل الأطباء، وبعد نحو عشرة أيام تماثل للشفاء".
وتغيب الاستجابة لمكافحة الحميات في اليمن في ظل انعدام الأمن وتردي النظام الصحي، وندرة المياه الصالحة للشرب، وانتشار البعوض الناقل للمرض، كما أن نقص الأدوية والمستلزمات الصحية، وغياب حملات الرش الضبابي، الداخلي والخارجي، وغياب مراقبة ناقلات الأمراض، وقلة الوعي المجتمعي، كلها عوامل تساهم في انتشار الحميات.
أصيب خليل إبراهيم بالحمى وتم إسعافه إلى مركز طبي في ريف تعز الجنوبي، لينصحه الأطباء بضرورة الانتقال لتلقي العلاج في المستشفى الجمهوري بمدينة تعز. ويقول لـ"العربي الجديد": "أسكن في إحدى القرى النائية حيث العديد من البرك التي تحتوي على المياه الراكدة، والتي تختلط بمياه المجاري، ويكثر فيها البعوض، وبعدما أصبت بالحمى تم إسعافي إلى المركز الطبي القريب، وهناك أخبرنا الطبيب بضرورة إسعافي إلى المستشفى الجمهوري، حيث ما زلت أتلقى العلاج من حمى الضنك، مع شعوري ببعض التحسن".
وفي يوم 20 مايو/ أيار الماضي فجع الوسط الإعلامي اليمني بوفاة المصورة ضي إسكندر إثر إصابتها بحمى الضنك التي تنتشر بشكل غير مسبوق في مدينة عدن. تم إسعاف المصورة الشابة التي كانت تنزف إلى مستشفى خليج عدن، وإدخالها إلى غرفة العناية المركزة، وأعلن الأطباء حاجتها إلى كميات من الدم وبعض المستلزمات الإسعافية من أجل إنقاذ حياتها، لكن مقاومتها للمرض لم تدم سوى بضع ساعات قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وتقول الطبيبة ريم محمد، لـ"العربي الجديد": "تعد حمى الضنك والملاريا من الأمراض المستوطنة في اليمن، والتي يتضاعف عدد المصابين بها نتيجة الأوضاع المتردية في البلاد، وانتشار البعوض الناقل لها، فضلاً عن النزوح، والعشوائيات، وضعف القطاع الصحي. وتأخر تلقي المرضى الرعاية الطبية من أبرز أسباب الوفيات، والتي تزايدت أخيراً بشكل مخيف".
ويتزامن تفشي حمّى الضنك التي يمكن مكافحتها من خلال التطعيمات مع أحد أسوأ حالات تفشي وباء الكوليرا منذ مطلع العام الماضي. وتكشف أرقام وزارة الصحة في الحكومة المعترف بها دولياً، حول الفترة من مطلع العام الحالي حتى 15 يونيو/ حزيران الجاري، تسجيل 48 وفاة نتيجة حمى الضنك، موزعة على 34 في عدن، و13 في لحج، ووفاة واحدة في تعز، فضلاً عن تسجيل 7539 إصابات بحمى الضنك، موزعة على 1969 في عدن، و1610 في تعز، و1296 في لحج، و904 في أبين، و120 في المهرة، و832 في شبوة، و76 في الضالع، و65 في حضرموت الوادي، و18 في البيضاء، و65 في الحديدة، و307 في حضرموت الساحل، و235 في مأرب، و40 في سقطرى.
وتشير الإحصائيات إلى تسجيل 7910 إصابات بوباء الكوليرا خلال الفترة نفسها، موزعة على 1769 في تعز، و1776 في لحج، و1204 في عدن، و923 في أبين، و483 في الضالع، وتسع في البيضاء، و1145 في الحديدة، و127 في شبوة، وتسع في المهرة، و101 في حضرموت الساحل، و167 في حضرموت الوادي، و189 في مأرب.
وكشفت منظمة الصحة العالمية في تقرير سابق لها بشأن التحديث الوبائي العالمي، أنه تم الإبلاغ عن 18.286 حالة جديدة مشتبه بإصابتها بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في اليمن، وعشر وفيات مرتبطة بالوباء منذ مطلع العام وحتى 25 مايو الماضي، وأن عدد الحالات المُبلّغ عنها خلال شهر مايو وحده وصل إلى 5.369 حالة، بزيادة قدرها 297% عن شهر إبريل/ نيسان، والذي سجّل 1.352 إصابة جديدة، ووفاة واحدة.
وتواصلنا مع المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة الحوثيين أنيس الأصبحي للحصول على إحصائيات حول عدد الإصابات بحمى الضنك في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، فقال إن الحصول على إحصائيات يقتضي رفع مذكرة رسمية إلى وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الصحية، ورغم رفع المذكرة، إلا أننا لم نحصل على أي إحصائيات.
يقول طبيب يعمل في أحد مستشفيات صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "صنعاء والمحافظات الشمالية والغربية الخاضعة لسيطرة الحوثيين تشهد تفشياً لحمى الضنك، فضلاً عن الحصبة والكوليرا والملاريا، لكن هناك تعتيماً واسعاً على أعداد الإصابات التي تتزايد نتيجة عوامل عديدة، أبرزها شح المياه الصالحة للشرب، وانتشار النفايات وبرك المياه الراكدة، مع منع الحوثيين اللقاحات باعتبار أنها مؤامرة أميركية تتعارض مع الهوية القرآنية للمجتمع اليمني".
يضيف الطبيب اليمني: "نعاني من ضعف القطاع الصحي، وهناك مناطق كثيرة لا توجد فيها مراكز صحية، وبالتالي لا يجد الناس مكاناً للعلاج في حال إصابتهم بأي مرض، والحالات الفعلية للإصابة بالأمراض تفوق ما تعلنه بعض المنظمات لأن العديد من الحالات لا يتم تسجيلها كونها لا تصل إلى أي مركز صحي".
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها أطلقت أخيراً حملة موسعة لمكافحة حمى الضنك في المناطق المتضررة، تشمل تنفيذ أنشطة للتثقيف الصحي، والرش الضبابي، موضحة أن الحملة تركز على خفض معدلات الإصابات والوفيات، والحد من مواقع تكاثر البعوض، ورفع مستوى الوعي العام، والحد من انتقال الأمراض.
وتعرف "حُمّى الضنك" بأنها عدوى فيروسية ينقلها البعوض إلى البشر، وهي أكثر شيوعاً في المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية، ومعظم الأشخاص الذين يصابون بها لا تظهر عليهم أعراضها، وتتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً في حُمّى شديدة وآلام بالجسم والغثيان والطفح الجلدي، ويمكن أن تسبّب الوفاة في الحالات الوخيمة.

